هل مرض السرطان معدٍ؟
يعتبر السرطان من أكثر الأمراض انتشارًا حول العالم، ويشكل تهديدًا كبيرًا للصحة العامة في معظم البلدان. وقد تزايدت الأسئلة حول طبيعة المرض، وخاصة فيما يتعلق بإمكانية انتقاله من شخص لآخر. إذ يرى بعض الناس في بعض الأحيان أن السرطان قد يكون معديًا، لكن الحقيقة العلمية تكشف عن إجابة مختلفة. في هذا المقال، سيتم تناول هذا الموضوع بمزيد من التفصيل، مع التركيز على حقيقة العلاقة بين السرطان والعدوى، وكيفية انتشار المرض، وآلية انتقاله، بالإضافة إلى الآراء العلمية الحالية حول هذه المسألة.
ما هو السرطان؟
السرطان هو مصطلح شامل يستخدم للإشارة إلى مجموعة من الأمراض التي تتميز بنمو خلايا غير طبيعي في الجسم. هذه الخلايا تنمو وتتكاثر بشكل غير منضبط، وقد تُشكل أورامًا سرطانية. قد تنتشر هذه الخلايا السرطانية إلى أجزاء أخرى من الجسم عبر الدم أو اللمف، وهو ما يعرف بالانتقال أو الانبثاث.
السبب الرئيس لظهور السرطان هو حدوث تغييرات (طفرة) في الحمض النووي لخلايا الجسم، مما يؤدي إلى عدم التحكم في نمو هذه الخلايا. هذه التغييرات قد تكون نتيجة لعوامل وراثية أو بيئية، مثل التدخين، التعرض للأشعة، التغذية غير الصحية، أو التلوث البيئي. بالرغم من أن بعض أنواع السرطان قد تكون مرتبطة بعوامل وراثية أو عائلية، إلا أن معظم حالات السرطان تحدث نتيجة لتأثيرات البيئة وأسلوب الحياة.
هل السرطان معدٍ؟
السرطان ليس مرضًا معديًا بشكل مباشر. بمعنى آخر، لا يمكن للسرطان أن ينتقل من شخص لآخر عن طريق الاتصال المباشر، مثل المصافحة أو العناق أو حتى العطس أو السعال. على الرغم من أن السرطان يتكون من خلايا الجسم نفسها، إلا أن هذه الخلايا السرطانية ليست قادرة على “العدوى” في نفس الطريقة التي تنتقل بها العدوى الفيروسية أو البكتيرية.
ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات التي يمكن أن تثير الفهم الخاطئ حول هذه المسألة:
-
العدوى الفيروسية المرتبطة بالسرطان:
رغم أن السرطان نفسه لا يعدي، إلا أن بعض الفيروسات قد تزيد من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان. على سبيل المثال، يعتبر فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) من العوامل المسببة للسرطان في منطقة عنق الرحم. يمكن للفيروس أن ينتقل عبر الاتصال الجنسي، ولكنه لا يعدي السرطان نفسه. ببساطة، قد يؤدي هذا الفيروس إلى تغييرات في الخلايا قد تتحول لاحقًا إلى سرطان. -
الفيروسات الأخرى المرتبطة بالسرطان:
هناك أيضًا أنواع أخرى من الفيروسات التي قد تلعب دورًا في زيادة خطر الإصابة بالسرطان. من هذه الفيروسات فيروس التهاب الكبد الوبائي B و C، والفيروسات المرتبطة بسرطان الدم أو الليمفوما. في هذه الحالات، قد تؤدي الإصابة بالفيروس إلى تحفيز خلايا الجسم على التحول إلى خلايا سرطانية، لكن الفيروسات نفسها لا تنتقل السرطان بل قد تزيد من فرصة الإصابة به. -
الأمراض المعدية المرتبطة بالأورام:
بعض الأمراض المعدية قد تسهم في وجود حالات سرطانية نادرة. على سبيل المثال، فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، ولكن لا يعد HIV بحد ذاته مسببًا مباشرًا للسرطان. بشكل عام، الفيروسات والعدوى ليست السبب المباشر في حدوث السرطان، بل قد تكون عاملاً مسهمًا في حدوث الطفرات الخلوية التي قد تؤدي إلى تكون الأورام.
هل يمكن للسرطان أن ينتقل عن طريق زراعة الأعضاء؟
في بعض الحالات النادرة، قد ينتقل السرطان عبر زراعة الأعضاء. قد يحدث هذا إذا كان العضو المزروع يحتوي على خلايا سرطانية عند نقله إلى الشخص المتلقي. لكن هذه الحالات نادرة للغاية، ويتم فحص الأعضاء المزروعة بشكل دقيق لتقليل هذا الخطر. حتى في هذه الحالات، لا يمكن القول إن السرطان “معدٍ” بالمعنى المعتاد للكلمة، بل هو ببساطة انتقال خلايا سرطانية في سياق عملية طبية معقدة.
ماذا عن السرطان في الحيوانات؟
السرطان في الحيوانات لا يعدي أيضًا. على الرغم من وجود أنواع معينة من السرطان في الحيوانات، مثل الكلاب والقطط، فإن السرطان لا ينتقل بين الحيوانات والبشر بشكل عام. ومع ذلك، فقد تم تسجيل حالات نادرة من السرطان المعدي بين بعض الأنواع، مثل سرطان عنق الرحم في الحيوانات البحرية وبعض أنواع الأورام في الأسماك. لكن هذه الحالات هي استثناءات نادرة جدًا ولا تمثل قاعدة عامة.
العوامل التي تساهم في فهم خاطئ حول العدوى بالسرطان
تساهم بعض المفاهيم المغلوطة في الاعتقاد السائد بأن السرطان معدٍ، وهذه بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا الفهم الخاطئ:
-
الأبحاث حول الفيروسات:
نظرًا لأن بعض الفيروسات المرتبطة بالسرطان يمكن أن تنتقل عبر سوائل الجسم أو الاتصال الجنسي، قد يتساءل البعض إذا ما كان هذا يشير إلى انتقال السرطان نفسه. الواقع أن الفيروسات يمكن أن تساهم في التسبب بالسرطان ولكنها لا تنتقل مباشرة السرطان. -
حالات النقل عبر الأعضاء:
في حالات نادرة جدًا، قد يحدث انتقال للسرطان عبر زراعة الأعضاء، مما يعزز فكرة أن السرطان معدٍ. لكن هذه الحالات ليست شائعة جدًا. -
السرطان العائلي:
عندما يلاحظ الأشخاص أن السرطان قد ينتقل في العائلات، يمكن أن يعتقدوا أن المرض معدٍ. الحقيقة هي أن هناك عوامل وراثية قد تزيد من خطر الإصابة بالسرطان، لكن ذلك لا يعني أن المرض ينتقل مباشرة من شخص لآخر.
الوقاية والتوعية:
بما أن السرطان لا يعدي، تركز حملات التوعية الصحية على منع العوامل المسببة للمرض، مثل تجنب التدخين، والتقليل من التعرض لأشعة الشمس الضارة، وتشجيع ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائي صحي. كما تلعب فحوصات الكشف المبكر دورًا كبيرًا في تحسين فرص الشفاء من السرطان، خاصةً إذا تم اكتشاف المرض في مراحله المبكرة.
من المهم أيضًا فهم أن السرطان ليس مرضًا يجب تجنب الشخص المصاب به، فالأفراد المصابون بالسرطان لا يشكلون خطرًا على الآخرين في محيطهم. يجب التعامل مع المصابين بالسرطان بعناية واحترام ودعم معنوي.
الاستنتاج:
في النهاية، يمكن التأكيد على أن السرطان ليس مرضًا معديًا بالمعنى التقليدي. بالرغم من أن بعض الفيروسات قد تزيد من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، فإن الخلايا السرطانية نفسها لا تنتقل من شخص لآخر. الفهم الصحيح لهذه الحقائق يعد أمرًا مهمًا للحد من الخوف والوصمة المرتبطة بالسرطان.
